تضمن المعاهدة الدولية بشأن الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة، التي يوجد مقر أمانتها في منظمة الأغذية والزراعة، أن الموارد الوراثية للمحاصيل الأكثر أهمية للأنماط الغذائية البشرية مصانة ويتم تقاسمها على نحو منصف في العالم أجمع. ©FAO/Cristina Vega
يملك معظمنا أفكاره الخاصة بشأن الأغذية والنباتات التي تشكّل جزءًا كبيرًا من نمطنا الغذائي. ولكن ما مدى تأثير تغيّر المناخ والنزاعات والاعتبارات الصحية والأنماط المعيشية المتّبعة وغير ذلك من المسائل اليومية المستجدة، في المحاصيل التي ننتجها اليوم والتي قد نحتاجها في المستقبل؟ هذه المسائل هي من بين ما يتم تناوله في تقرير جديد صادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) بعنوان النباتات التي تغذّي العالم.
لقد اعتمدنا حتى يومنا هذا على حفنة من المحاصيل، من قبيل القمح والذرة والأرز، لتلبية معظم احتياجاتنا من السعرات الحرارية. لكن ثمة ما يزيد على 000 7 أو ربما 000 30 نوع من النباتات الصالحة للاستهلاك البشري.
وقد اعتُمدت المعاهدة الدولية بشأن الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة، التي يوجد مقر أمانتها في منظمة الأغذية والزراعة، في عام 2001 لكي تضمن أن الموارد الوراثية النباتية الأكثر أهمية للأنماط الغذائية البشرية مصانة ويتم استخدامها على نحو منصف في العالم أجمع. ويتضمن الملحق الأول بهذا الاتفاق الملزم قانونًا قائمة من 64 محصولًا أساسيًا من المحاصيل التي تتألف منها "سلّتنا الغذائية" والتي تقوم بنوك الجينات بتبادل مواردها الوراثية بفضل النظام المتعدد الأطراف للحصول على الموارد وتقاسم منافعها الخاص بالمعاهدة الدولية.
وترمي المعاهدة الدولية إلى ضمان توافر الموارد الوراثية النباتية للجميع، ولا سيّما المزارعون في البلدان النامية، حتى نتمكّن جميعًا من الاستفادة من مجموعة متنوعة من المحاصيل التي يمكن أن تلبي احتياجاتنا التغذوية.
فلنلقِ نظرة على أربعة اتجاهات بارزة ورد ذكرها في الدراسة وتُحدد الطريقة التي تغذينا بها النباتات، وتبيّن أيضًا مدى أهمية الموارد الوراثية لتحسين الإنتاج والتغذية والبيئة وسبل العيش:
لقد اعتمدنا حتى يومنا هذا على حفنة من المحاصيل لتلبية معظم احتياجاتنا من السعرات الحرارية. ولكن عدد أنواع النباتات الصالحة للاستهلاك البشري يتراوح بين 000 7 و000 30 نوع. لذا، يجب إثراء سلة المحاصيل التي نعتمد عليها. ©FAO/Cristina Vega
1- اتّساع نطاق مفهوم الأمن الغذائي
يكمن أحد أسباب الحاجة إلى إدراج نباتات أكثر مما هو عليه الحال في "سلّتنا الغذائية" في تطوّر فهمنا للأمن الغذائي. وعندما وضعت المعاهدة الدولية لأول مرة منذ أكثر من 20 عامًا، طغا التركيز وقتذاك على السعرات الحرارية الضرورية لضمان توفير نمط غذائي أساسي واستئصال الجوع. وأمّا اليوم، فقد أصبحنا ندرك بشكل متزايد أنه يجب التركيز أيضًا على التغذية والتعمّق في المغذّيات الدقيقة والمغذّيات الكبرى.
وتسجّل العديد من البلدان حالات من نقص التغذية ومن التغذية المفرطة في الوقت عينه، نظرًا إلى التغيرات الجذرية في الأنماط الغذائية وإلى استبدال الأغذية التقليدية بالمنتجات المجهّزة في معظم الأحيان. وبما أن ظاهرتي الوزن الزائد والسمنة أمستا تثيران القلق نفسه الذي يثيره الجوع، بات لا بد من إدراج نباتات مغذية في سلّتنا الغذائية، وليس نباتات غنية بالسعرات الحرارية وحسب.
2- نباتات الأمس ليست بالضرورة نباتات الغد.
ثمة اتجاه سائد اليوم نحو استهلاك المزيد من البروتينات النباتية، كالبقول، بالإضافة إلى تناول كمّيات أكبر من الخضار والفواكه والمكسّرات والحبوب بسبب شواغل التغذية.
ويسجّل العالم أيضًا ارتفاعًا في استهلاك الحبوب المغذية المعروفة أقلّ من سواها كالدُخن والذرة الرفيعة والنباتات من شبه الحبوب وهي تُعدُّ أغذية بديلة خالية من الغلوتين مثل الكينوا والأمارانت. وفي الوقت الحالي، تتصدّر المحاصيل الثانوية وغير المستغلّة، مثل هذه المحاصيل، الاتجاهات الغذائية، ليس بفضل ما تنطوي عليه من قيمة غذائية فحسب، بل أيضًا لأن معظمها مفيد بيئيًا.
يضمّ تقرير جديد أعدّته المنظمة بيانات عن 355 محصولًا، وسيُسترشد به في المناقشات بشأن السياسات، بما في ذلك تحديث سلّة المحاصيل الأربعة والستين المصانة بموجب المعاهدة الدولية. ©FAO/Zinyange Auntony
3- البلدان أصبحت أكثر ترابطًا ببعضها البعض في ما يتعلّق بأصناف المحاصيل.
في ظلً تأثير أزمة المناخ في أنماط هطول الأمطار ودرجات الحرارة في العالم، لم يعد بعض أصناف المحاصيل ينمو جيدًا في المناطق التي كان يزدهر فيها في السابق. فعلى سبيل المثال، ربما لم يتوقع كثيرون منذ بضع سنوات فحسب أن زراعة الذرة قد تُصبح صعبة في بعض المناطق الأفريقية، ولكن المزارعين في هذه المناطق يبحثون حاليًا عن محاصيل أخرى، مثل الدُخن، تتلاءم زراعتها أكثر من غيرها مع انخفاض هطول الأمطار.
ويُشير هذا التغيّر في أنماط هطول الأمطار إلى أن حاجة البلدان إلى الحصول على أصناف نباتية من مناطق أخرى في العالم ستزيد بغية مواصلة إنتاجها أو تحسينه.
ويؤدي تغيّر المناخ إلى زيادة ترابط البلدان ببعضها البعض، غير أن البلدان لطالما اعتمدت على بعضها البعض في ما يتعلّق بالمحاصيل التي تُنتج في مناطق أخرى، فأصناف البُن الأفريقي جالت العالم بأسره على سبيل المثال، في حين أن أمريكا الجنوبية ما تزال تقدم للعالم أصنافًا من البطاطا أكثر من أي منطقة أخرى.
وفي ظلّ هذه السياقات، يكتسي النهج المتعدد الأطراف للمعاهدة الدولية في ما يخصّ التعاون بين البلدان، أهمية متنامية.
4- الأذواق والاتجاهات تسهم أيضًا في تغيير الطلب على المحاصيل.
إن تغيّر الأذواق والاتجاهات تحفّز أيضًا الطلب على أصناف جديدة من المحاصيل من مزارعين يسعون إلى تحسين سبل كسب عيشهم، سواء من خلال زراعة الكينوا أو البازلاء الهندية.
لكن ثمة طلبات جديدة تأتي من جهات أخرى، كالطهاة مثلًا الذين يحرصون على اكتشاف مذاق الحبوب التقليدية الأكثر استدامة في أغلب الأحيان، وقِوامها. وقد حرصت الطاهية السيراليونية، السيدة Fatmata Binta، على ذلك في مطبخها من أجل تسليط الضوء على دُخن الفونيو الذي تحتاج زراعته إلى كمية قليلة من المياه والذي يمتاز بفوائده التغذوية الكثيرة.
ولم تكن هذه الأصوات جزءًا من المناقشات التي جرت خلال التفاوض على المعاهدة الدولية، لكنها أصبحت اليوم مسموعة أكثر فأكثر.
وما فتئ دور المعاهدة الدولية يزداد أهمية في عالمنا المترابط والمتبدّل، فهي الاتفاق الدولي الملزم الوحيد المكرّس لصون التنوّع الوراثي للنباتات التي نزرعها ونأكلها في العالم، وحفظها وتقاسمه.
وسيؤدي التقرير الجديد، الذي يضمّ بيانات عن 355 محصولًا، دورًا جوهريًا في إرشاد المناقشات بشأن السياسات، بما في ذلك تحديث سلّة المحاصيل الواردة في الملحق الأول بالمعاهدة الدولية. وسيوفّر أيضًا، بفضل احتوائه على كمٍّ هائلٍ من البيانات التي تُتاح للعموم والتي ترتكز عليها الدراسة، موردًا مهمًا للباحثين ومتّخذي القرارات في العالم أجمع. ويرسي هذا التقرير الأسس التي ستتيح للإنسان اكتشاف قدرة آلاف النباتات الأخرى على تلبية احتياجاتنا الغذائية في المستقبل.
للمزيد من المعلومات
الموقع الإلكتروني:منظمة الأغذية والزراعة والمعاهدة الدولية بشأن الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة
المنشور: النباتات التي تغذّي العالم