بالنسبة إلى السيدة Razanamanana Philippine، مزارعة فاصولياء في مدغشقر، فإن شهادة ملكية الأرض منحتها راحة البال بشأن الاستثمارات التي تقوم بها في حقلها. World Bank/Fireflies ©
مستند واحد يُحدث فرقًا كبيرًا قبالة سواحل جنوب شرق أفريقيا. ففي جزيرة مدغشقر الخصبة، يعتمد أكثر من 85 في المائة من السكان على الزراعة في تأمين سبل عيشهم. ولكن إحدى أهم العقبات التي واجهها المزارعون لعقود هي الحصول على حقوق قانونية في ما يتعلق بأراضيهم.
وتصبح حقوق ملكية الأراضي هذه، عند تصديق السلطات عليها، حاسمة في تأمين الحماية القانونية من مطالبات الأطراف المتنازعة. وهي ضرورية أيضًا لمنح المزارعين الثقة اللازمة للاستثمار في أراضيهم والحصول على قروض من مؤسسات مالية قد تشترط ملكية الأرض كضمان.
وكانت مدغشقر تعتمد في السابق على نظام متقادم لحيازة الأراضي، يقوم على مستندات بالية باهتة مكدّسة على رفوف عالية في مكاتب يعلوها الغبار. وكان الحصول على شهادة ملكية قانونية للأراضي عملية مرهقة وطويلة ومكلفة، ممّا جعل ملايين المزارعين عاجزين عن إثبات أن الأرض التي يعملون فيها هي مِلكٌ لهم. وغالبًا ما أدى هذا النظام إلى قيام نزاعات متكررة على الأراضي، وانعدام الاستثمارات في الأراضي الزراعية، وانخفاض الإنتاجية الاقتصادية.
وفي عام 2016، قدّم مركز الاستثمار التابع لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) مساعدة فنية إلى البنك الدولي في إطار مشروع النمو الزراعي الريفي وإدارة الأراضي في مدغشقر، المعروف باختصار "CASEF".
وبعد أن حدَّد هذا المشروع، الذي تبلغ قيمته 105 ملايين دولار أمريكي، أن إصلاح ملكية الأراضي يعود بمنافع جمة على المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة، أُدرج مكوّن لمساعدة مدغشقر على إنشاء سجل حديث للأراضي باستخدام التكنولوجيا الرقمية وإضفاء الطابع الرسمي على ملكية الأراضي لعدد كبير من المزارعين. ووضعت مدغشقر هدفًا شاملًا يطمح إلى إصدار 8 ملايين شهادة بحلول عام 2030.
قبل تنفيذ المشروع، كانت مدغشقر تعتمد على نظام متقادم لحيازة الأراضي، يقوم على مستندات بالية باهتة، ولكن تم استبداله الآن بخرائط جديدة تصدرها المكاتب العقارية التابعة للبلديات. World Bank / Rijasolo ©
واستفادت المنظمة من خبرتها في تنفيذ مشاريع مماثلة في أمريكا اللاتينية لإعداد منهجية مناسبة لتيسير الاعتراف بحقوق حيازة الأراضي، بما في ذلك نهج للتسجيل النظامي للأراضي، واستحداث أدوات لإدارة المعلومات، وتدريب الموظفين في المؤسسات الوطنية والمسؤولين عن المكاتب العقارية المحلية. وتم توظيف المئات من مساعدي مسّاحي الأراضي، وإنشاء أكثر من 400 مكتب عقاري على مستوى البلديات لتسهيل حصول المزارعين على شهادات الملكية عند طلبها.
ومع أن المزارعين ما زالوا يحصلون على مستندات ورقية، فإن الشهادات أصبحت الآن تحمل رمزًا للاستجابة السريعة (QR) يربطها بنسختها الرقمية التي سيتم تخزينها في سجل وطني بمجرد تطبيق النظام بالكامل. ووفّر المشروع أيضًا أجهزة حاسوب للمكاتب المحلية لتنفيذ عملية التسجيل الرقمي، وألواحًا شمسية لتعزيز شبكة الكهرباء والاتصالات.
راحة البال
لقد عزّز نظام حيازة الأراضي الجديد شعور المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة بالأمان، وقلّل من حدوث النزاعات بين الجيران، وخفّض تكلفة كل شهادة من 600 دولار أمريكي إلى 32 دولارًا أمريكيًا، كما قلّص الفترة اللازمة لمعالجة الملفات من ست سنوات إلى ستة أشهر.
وحتى الآن، أصدر المشروع شهادات ملكية لنحو 1.1 مليون قطعة أرض، ممّا عاد بالنفع على 000 206 أسرة، ويمثّل ذلك ما يعادل 10 في المائة من إجمالي قطع الأراضي الريفية في مدغشقر. وللمقارنة، تمكّنت الحكومة خلال أربع سنوات فقط وفي ست مناطق من توزيع ما يعادل إجمالي شهادات ملكية الأراضي التي أُصدرت في البلاد بأكملها خلال السنوات السبع عشرة السابقة.
بالنسبة إلى السيد Rasolofo Andrianoarintsoa، وهو مزارع، فإنه استخدم شهادته كضمان لشراء مدخلات لمحاصيله والحصول على قرض من مؤسسات التمويل المتناهي الصغر. World Bank/Fireflies©
يقول السيد Rasolofo Andrianoarintsoa، وهو مزارع في منطقة أمباتوتسيبيهانا (Ambatotsipihana) الريفية الواقعة جنوب العاصمة أنتاناناريفو"، في حديثه عن النظام الجديد، "على مدى سنوات طويلة، لم يكن بحوزتي أي مستند قانوني يثبت ملكيتي لأرضي. لذلك، عندما سمعنا عن "عملية شهادات ملكية الأراضي" قدّمنا طلبًا للحصول على الشهادة، ونحن الآن نتمتع بحقوقنا كاملة".
واستخدم السيد Rasolofo شهادته كضمان لشراء الأسمدة لمحاصيله والحصول على قرض من مؤسسات التمويل المتناهي الصغر.
ويقول، موضّحًا سبب حرص المؤسسات المالية على استخدام الأرض كضمان، "إنها تولي شهادات ملكية الأراضي أهمية بالغة، لأن الثيران أو العربات أو الدراجات النارية قد تنفق أو تتعطل، وهو ما لا ينطبق على شهادات ملكية الأراضي".
ويضيف قائلًا "نتيجة لذلك، زاد دخلنا لأننا تمكّنا من توسيع مساحة حقولنا وتنويع محاصيلنا بالذرة وفول الصويا. وباتت لدينا الآن ثقة أكبر لأن الأرض أصبحت ملكًا لنا".
وتُبدي السيدة Razanamanana Philippine، وهي أرملة تعمل في زراعة الفاصولياء، الشعور ذاته. وتقول إن شهادة ملكية الأرض قد منحتها راحة البال وساعدتها على مضاعفة مساحة الأرض التي يمكن زراعتها.
وتوضّح قائلة "الآن بعد أن حصلت على شهادة، لا يمكن لأحد أن يشكّك في حقي في زراعة هذه الأرض".
وفي غضون بضع سنوات فقط، أدّى تطبيق الرقمنة واللامركزية في إدارة إصدار الشهادات عبر المكاتب العقارية التابعة للبلديات إلى زيادة بمقدار خمسة أضعاف في تسجيل الأراضي من قبل المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة للأراضي التي تقلّ مساحتها عن 10 هكتارات، الأمر الذي يبشّر بتحقيق المزيد من النجاح في المستقبل.
ويقول السيد Fabrice Edouard، خبير حيازة الأراضي في المنظمة، "لقد كان نجاح المشروع واضحًا جدًّا لدرجة أن المنظمة أضحت تقدّم الآن مساعدة فنية لمشروع مماثل، وهذه المرة بالتعاون مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية. وتسدي المنظمة أيضًا المشورة لحكومة مدغشقر في ما يخص سياسات حيازة الأراضي المستقبلية".
هذه القصة هي جزءٌ من سلسلة من القصص الإخبارية التي تنشرها المنظمة بمناسبة الذكرى الستين لإنشاء مركز الاستثمار التابع لها، والتي تسلِّط الضوء على عقود من الشراكات والمبادرات والاستثمارات التي شكّلت معالم النظم الزراعية والغذائية. فتعرفوا على كيف يواصل مركز الاستثمار التابع للمنظمة دفع عجلة الاستثمار الزراعي وحلول التمويل الزراعي، بما يغيّر حياة الناس على مستوى العالم.
للمزيد من المعلومات
الموقع الإلكتروني: مركز الاستثمار في منظمة الأغذية والزراعة
الموقع الإلكتروني: مشروع النمو الزراعي الريفي وإدارة الأراضي في مدغشقر (CASEF)
الموقع الإلكتروني: البنك الدولي يدعم برنامج إصدار شهادات ملكية الأراضي في مدغشقر