قضايا أساسية
تشغل الغابات ثلث مساحة اليابسة على كوكبنا، مع ذلك تحتوي على 80 في المائة من التنوع الأحيائي الأرضي في المعمورة. ولهذه النظم الإيكولوجية الغنية بالموارد القدرة على الإسهام إسهامًا كبيرًا في الأمن الغذائي والتغذية، فالأغذية البرية تتيح إمكانية توفير تنوع الوجبات الغذائية وغناها بالمغذيات للملايين من البشر؛ كما أن الدخل الذي يمكن الحصول عليه من منتجات وخدمات حرجية يمكّن المجتمعات الريفية من الحصول على الأدوية وغيرها من المصادر الغذائية الإضافية؛ ناهيك عن أن جلّ الأسر الريفية تستخدم الحطب في الطبخ الذي بدوره يساعد على تناول أغذية ومياه آمنة. أما الدور الحيوي الذي تلعبه الغابات في التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه فيحمل أهمية جوهرية في التخفيف من حدة انعدام الأمن الغذائي المرتبط بالمناخ.
إن إسهامات الغابات في نطاق الأمن الغذائي والتغذية لا تقتصر على 2.5 مليار شخص يعيشون في المجتمعات المعتمدة على الغابات فحسب، بل تطال سكان المناطق الحضرية أيضًا. إذ تحمل الغابات الطبيعية أهمية جوهرية عندما يتعلق الأمر ببقاء سكان الغابات، بمن فيهم الكثير من الشعوب الأصلية، ناهيك عن أنها تساعد على توفير المياه النظيفة للأراضي الزراعية من خلال حماية مستجمعات المياه. كما يمكن للمزارعين رفع مستوى الأمن الغذائي من خلال احتفاظهم بالأشجار في الأراضي الزراعية وتشجيع إعادة التجديد الطبيعي وزراعة الأشجار وغيرها من النباتات الحرجية. أما الرعاة في الأراضي القاحلة وشبه القاحلة فيعتمدون قرابة طوال العام على الأشجار كمصدر علفي لحيواناتهم.
تسهم الغابات والأشجار والنظم الحراجية الزراعية في الأمن الغذائي والتغذية من خلال طرق كثيرة. بيد أن هذه الإسهامات تنعكس بصورة خجولة في الاستراتيجيات الوطنية بشأن التنمية والأمن الغذائي. وعندما تجتمع هذه الجزئية مع ضعف التنسيق بين القطاعات تكون النتيجة النهائية غياب القرارات السياساتية ذات الصلة بالأمن الغذائي والتغذية.الصلة بأهداف التنمية المستدامة
ترسى أسس الحق في الحصول على الغذاء على نحوٍ تدريجي كأولوية في جدول الأعمال الدولي، لكن عندما يتعلق الأمر بالاعتراف بهذا الحق من حقوق الإنسان نرى أنه لازلنا بحاجة إلى فهم معنى "الحق في الحصول على الغذاء" وكيفية تطبيقه عمليًا، لاسيما عندما يتعلق الأمر برسم السياسات ووضع البرامج.
ففيما يتعلق بالموارد الحرجية على سبيل المثال، نجد أنه غالبًا ما تُبخس قيمة الدور الجوهري الذي تلعبه المنتجات الحرجية غير الخشبية بالنسبة للأشخاص المعتمدين على الغابات، فنرى السياسات غير المناسبة والمعوقات المؤسسية تعرقل إسهام هذه المنتجات الحرجية غير الخشبية في الاقتصادات الوطنية والأمن الغذائي والتغذية على مستوى الأسر.
يشكل الاعتراف وضمان الحقوق في الحيازة لدى الأشخاص المعتمدين على الغابات، بمن فيهم الشعوب الأصلية، وضمان انتفاعهم العادل من الموارد عنصرًا أساسيًا لتأمين سبل العيش لدى هذه المجتمعات. أما المبادئ التوجيهية الطوعية بشأن الحوكمة المسؤولة في ميدان حيازة الأراضي ومصائد الأسماك والغابات ضمن سياق الأمن الغذائي الوطني فتشكل صكًا أساسيًا لدعم الاعتراف الدائم في الحق بالحصول على كمية كافية من الغذاء ضمن سياق الأمن الغذائي الوطني.
ما فتئت الأغذية المستمدة من الغابات والأشجار الموجودة خارج الغابات – كالأوراق والبذور وأصناف الجوز والعسل وكذلك الفاكهة والفطر والحشرات والحيوانات البرية – تشكل جانبًا مهمًا من مكونات الوجبات الغذائية الريفية منذ آلاف السنين. إذ تتسم الكثير من الأغذية المستمدة من الغابات والأشجار بقيمة تغذوية عالية جدًا. فالأغذية المستمدة من الحيوانية الحرجية معروفة بغناها بالعناصر سريعة الامتصاص كالحديد والتوتياء وفيتامين ب 12، إضافة إلى غناها بالبروتين والدهون، في حين تعتبر الخضروات الورقية والفاكهة والمكسرات التي تنتجها الغابات مهمة لتغطية الاحتياج من فيتامين أ والحديد والفولات والنياسين والكالسيوم.
لكن بالمقابل لم تستثمر إمكانية الأغذية الحرجية بالشكل المطلوب كمكونات تدخل في الوجبات الغذائية المستدامة. إذ تبقى المعوقات الأساسية أمام إطلاق إمكانية هذه المنتجات ناجمة عن الفجوات المعرفية والقضايا المرتبطة بالحيازة والانتفاع، ناهيك عن الجوانب المتعلقة باستدامة جمع تلك المنتجات، وغيرها من المعوقات.
لا شك أن تحسين إدراج المعرفة المتعلقة بالأغذية المستمدة من الغابات والأشجار في الاستراتيجيات والبرامج الوطنية بشأن التغذية وتأسيس منصات للسياسات متداخلة القطاعات التي تجمع بين التغذية والأمن الغذائي والبيئة والزراعة والصحة والتنمية والحفاظ على الطبيعة وتخطيط استخدام الأراضي من شأنه أن يساعد على النهوض بهذه الإمكانية
تتفاوت الأدوار التي تلعبها النساء والرجال في مجال إنتاج الأغذية وتوفيرها، كما تختلف المسؤولية بين الجنسين في هذا الميدان. إذ تمضي النساء وقتًا طويلًا في جمع الأغذية المستمدة من الغابات والأشجار وجمع الحطب، كما تتمتع هؤلاء النساء بقدر كبير من المعرفة حيال ذلك. بالمقابل، نادرًا ما يضطلع الرجال بمسؤولية جمع الموارد الحرجية واستخدامها لصالح الأسر.
تواجه النساء معوقات ترتبط بالنوع الاجتماعي بما فيها معوقات الانتفاع من الأراضي والحصول على القروض والانتفاع من التكنولوجيا وفرص التوظيف والوصول إلى أسواق المنتجات الحرجية. ولعل العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والمؤسسية تسهم في تفاوت الفرص المفتوحة أمام الجنسين ضمن قطاع الحراجة. وتتراوح هذه العوامل من الإدراك الاجتماعي لأدوار المرأة والوقت الذي على المرأة أن تقضيه للإيفاء بمسؤولياتها المنزلية ورعاية الأطفال إلى الفوارق بين الجنسين في تعلم القراءة والكتابة وتلقي التعليم وكذلك الفوارق في القدرات الجسدية والمهارات التقنية وتلقي التدريب والحصول على الخدمات الإرشادية.
لا شك أن تمكين المرأة في قطاع الحراجة بفتح المجال أمام فرص تنموية كبيرة أمامها وتوليد منافع جمّة يعود أثرها على الأسر والمجتمعات ككل.
إن خدمات النظام الإيكولوجي التي توفرها الغابات والأشجار الموجودة خارج الغابات تدعم الإنتاج الزراعي في أغلب الأحيان، فهي تعتبر أساسية لرفاه المجتمعات الحضرية والريفية.
كما توفر الغابات والأشجار الموجودة خارج الغابات الحماية للموارد المائية وموارد التربة وتسهم في تحسين التربة بما في ذلك خصوبتها، وكذلك في تنظيم المناخ، ناهيك عن أنها توفر موئلًا للملقّحات البرية والمفترسات التي تتغذى على الآفات الزراعية. فهي بمثابة شبكات أمان إبان الصدمات، حيث تزيد من قدرة الأسر على الصمود عند انعدام الأمن الغذائي. أما التدهور البيئي فيؤدي إلى تقويض قدرة الأراضي والموارد على دعم الأمن الغذائي.
يمكن لنهج إدارة الموارد الطبيعية في المنظر الطبيعي أن يسهم في تحقيق القدرة على الصمود طويل الأجل عندما يتعلق الأمر بالغذاء. إذ تشكل الحراجة الزراعية، أي التكامل بين زراعة الأشجار وزراعة المحاصيل الحولية، وكذلك إنتاج الحيوانات وغيرها من الأنشطة الزراعية عنصرًا مهمًا من عناصر هذا النهج.
أقر المؤتمر العالمي الأول الذي انعقد تحت عنوان الغابات لصالح الأمن الغذائي والتغذية بأن الأمن الغذائي نابع من التنوع – من حيث الأحياء والمناظر الطبيعية والثقافات والوجبات الغذائية ووحدات الإنتاج والإدارة، وبأن الغابات والأشجار تحمل أهمية حاسمة في صون ذلك التنوع، ما يستدعي تحسين إدراجها في الاستراتيجيات المعنية بالأمن الغذائي والتغذية.
تبقى الحاجة مطلوبة إلى رسم سياسات ملائمة بهدف:
- توفير حيازة آمنة للأراضي والغابات والانتفاع من الموارد بصورة عادلة من خلال تطبيق المبادئ المنصوص عليها في "المبادئ التوجيهية الطوعية بشأن الحوكمة المسؤولة في ميدان حيازة الأراضي ومصائد الأسماك والغابات ضمن سياق الأمن الغذائي الوطني".
- وضع آليات للتنسيق بين قطاعات الزراعة والحراجة والحيوانات ومصائد الأسماك والطاقة والتعدين وغيرها من القطاعات ذات الصلة ضمانًا لتحقيق توافق أكبر في التدخلات المعنية بالأمن الغذائي والتغذية والوصول إلى مواءمة أفضل للسياسات.
- تعزيز السياسات التي تزيد فرص حصول أصحاب الحيازات الصغيرة على القروض وانتفاعهم بالتكنولوجيا وخدمات الإرشاد والتأمين، وتؤدي إلى تحسين تسويقهم لمنتجات غاباتهم وأشجارهم وخدمات النظام الإيكولوجي.
- تحقيق المساواة بين الجنسين في صياغة وتنفيذ وتقييم السياسات المعنية بالأمن الغذائي والتغذية والتخفيف من وطأة الفقر والاستراتيجيات الاستثمارية.
- تعزيز الآليات المطلوبة لجمع البيانات المتعلقة بإسهامات الغابات والأشجار في الأمن الغذائي والتغذية ونشرها في الوقت المناسب ليتم استخدامها من قبل صنّاع السياسات.