فلنسعَ إلى الأفضل معًا | بناء الأفضليات الأربع - النظم الزراعية والغذائية
بقلم الدكتور شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة
16/10/2025
©FAO
بقلم الدكتور شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة
يتزامن يوم الأغذية العالمي لهذا العام مع الذكرى الثمانين لتأسيس منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) التي تمثلت ولايتها منذ نشأتها في الحرص على أن تتحرر الإنسانية من العوز.
واليوم، تعاني نسبة 8.2 في المائة من الناس من النقص التغذوي المزمن. ويمكن مقارنة هذه النسبة بحوال ثلثي سكان العالم الذين كانوا يعيشون في مناطق لا تصلها إمدادات غذائية كافية في عام 1946، وفقًا لما كشفه أول مسح غذائي عالمي أجرته المنظمة خلال الأشهر الأولى من تأسيسها. وعلاوة على ذلك، في عام 2025، بات العالم ينتج ما يكفي ويزيد من السعرات الحرارية لتغذية الجميع، حتى بعد أن أصبح عدد السكان يزيد عن ثلاثة أضعاف ما كان عليه.
ومع اقتراب موعد احتفالنا بهذا اليوم وفيما نتأمل تحديات الماضي والحاضر والمستقبل، أستذكر واحدة من استنتاجات ذاك المسح القديم: وهي أنّ "الخيار هو إمّا التقدم نحو الأمام أو العودة إلى الوراء".
وقد حققت منظمة الأغذية والزراعة وبلدانها الأعضاء إنجازات كثيرة منها القضاء على فيروس الطاعون البقري، ووضع مواصفات الدستور الغذائي الخاصة بسلامة الأغذية وزيادة الغلات العالمية من الأرزّ بقدار ثلاث أضعاف تقريبًا منذ إنشاء اللجنة الدولية للأرزّ في أواخر أربعينات القرن الماضي، والتفاوض بشأن المعاهدات الدولية المتعلقة بممارسات مصايد الأسماك والموارد الوراثية، ووضع برامج للرصد والإنذار المبكر من أجل التخفيف من مخاطر الآفات والأمراض النباتية والحيوانية، وإنشاء واستضافة نظام المعلومات المتعلقة بالأسواق الزراعية بغية دعم التجارة، ووضع خطوط توجيهية غذائية ليس فقط لمعالجة مسألة التقزم، بل أيضًا في مواجهة الاتجاه المتنامي في العالم نحو الوزن الزائد.
وحين بدأ تفشي الجراد الصحراوي في عام 2019 - بالتزامن مع أصعب فترات جائحة كوفيد-19 - تم حشد 231 مليون دولار أمريكي للتخفيف من حدة الأزمة وهذا ما أدى في نهاية المطاف إلى تجنب خسائر بقيمة 1.77 مليار دولار أمريكي وضمان الغذاء لأكثر من 40 مليون شخص في 10 بلدان.
والحق يقال إنّ الفضل في تحقيق هذه الإنجازات يعود إلى أعضائنا الذين ظلوا ثابتين في دعمهم لفكرة أنّ عالمًا خاليًا من الجوع هو عالم أفضل للجميع، أغنياء كانوا أم فقراء، في شمال الأرض أم في جنوبها. ويشير هذا النجاح وغيره من النجاحات إلى ما يمكن أن تنجزه الأمم حين تتحد معارفها ومواردها، ومتى تتحلى بالإرادة السياسية، وعندما تقيم شراكات فعالة في ما بينها.
وثمة حاجة ماسة ومتزايدة إلى إدامة روح التعاون التي سادت خلال السنوات الثمانين الماضية؛ فالنظم الزراعية والغذائية العالمية مترابطة الآن أكثر من أي وقت مضى، حيث إنّ خُمس إجمالي السعرات الحرارية يعبر الحدود الدولية قبل استهلاكه. وفي الوقت نفسه، تواجه هذه النظم تهديدات جراء الصدمات المناخية والآفات والأمراض أو من حالات الانكماش الاقتصادي أو تداعيات الصراعات، وهذه التهديدات لا تقف عند أية حدود ويمكنها أن تمحي سنوات من التقدم المحرز في مكافحة الجوع وسوء التغذية. ونحن نرى اليوم انتشار إنفلونزا الطيور الشديدة الإمراض المعروفة باسم إنفلونزا الطيور، ودودة الحشد الخريفية والجراد، ولا يمكن لأي بلد بمفرده أن يقضي على هذه التهديدات العابرة للحدود.
ويتعين علينا أن نحرص على أن يتمتع الأشخاص العاملين في النظم الزراعية والغذائية التي تزودنا جميعنا بالغذاء، والذين يتجاوز عددهم مليار (1) شخص، بالقدرة اللازمة على الصمود للتصدي للمخاطر التي تواجههم باستمرار والتغلب عليها.
ونحن نمتلك التكنولوجيات، والآليات المالية التي أثبتت جدواها، إلى جانب السياسات التمكينية والدراية والقدرات التي تمكننا من تحقيق هدف القضاء على الجوع في أسرع وقت. وإنّ تمكين الوصول إلى الأسواق عامل أساسي للتخفيف من أوجه عدم المساواة التي تحد من القدرة على الصمود وإيصال الأغذية إلى المناطق التي تمسّ الحاجة إليها. والمشاركة الكاملة في الأسواق تعني تمكين الوصول إلى البذور المقاومة للجفاف ووجود معايير للاستدامة في مصايد الأسماك والغابات، ومعايير متفق عليها في مجال الصحة النباتية، وتكنولوجيات رقمية، وأدوات مبتكرة لإدارة الموارد، ونظم للإنذار المبكر.
وقد وضعنا إطارًا للارتقاء بمهمتنا وتسريع وتيرة تنفيذها. حيث تعمل مبادرة العمل يدًا بيد التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة على تحديد فرص الاستثمار ذات الأولوية في المناطق التي تعاني من أعلى مستويات الفقر والجوع وتتمتع في الوقت نفسه بإمكانات زراعية عظيمة. وتروّج مبادرة بلد واحد، منتج واحد ذو أولوية التي أطلقتها منظمة الأغذية والزراعة للمنتجات الزراعية الوطنية الفريدة من أجل النهوض بالنظم الزراعية والغذائية وتحقيق الازدهار في المناطق الريفية. بينما يقرّ برنامج التعاون بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي بأنّ العديد من البلدان النامية باتت أطرافًا رئيسية في التنمية العالمية والحوكمة الاقتصادية وهو يعمل على دعم الاستثمارات والشراكات؛ في حين تهدف مبادرة القرى الرقمية إلى تمكين المزارعين حول العالم من استخدام التكنولوجيات الرقمية، وتوسيع نطاق الوصول إلى فرص التجارة الإلكترونية، وتضييق الفجوة الرقمية. ويعمل التحالف العالمي لمكافحة الجوع والفقر التابع لمجموعة العشرين على توحيد البلدان والشركاء لحشد العمل والاستثمارات من أجل القضاء على الجوع والحد من الفقر في جميع أرجاء العالم. وتحقق هذه الأدوات والعديد من الأدوات الأخرى النتائج المرجوة منها إذا ما جرى تطبيقها بفعالية ونجاعة، وستحقق نتائجها بصورة أفضل في حال تطبيقها على نحو متسق ومتوائم.
ونحن نسعى، في منظمة الأغذية والزراعة، إلى تحقيق هذه الرؤية عبر الأفضليات الأربع وهي إنتاج أفضل، لكي يتمكن المزارعون من زيادة إنتاجهم باستخدام قدر أقل من الموارد؛ وتغذية أفضل، لأنّ النوعية لا تقل أهمية عن الكمية؛ وبيئة أفضل، من أجل استدامة النظم الإيكولوجية ومنافعها العديدة؛ وحياة أفضل للجميع، لكي تتمكن المجتمعات المحلية الريفية من عيش حياة كريمة وغنية بالفرص. وهذه الأفضليات الأربع تضمن مجتمعة عدم ترك أي أحد خلف الركب.
وإذا قررنا عدم السعي وراء تحقيق هذه الأهداف، فإننا سنعود أدراجنا إلى الوراء. فقد مضى ثمانون عامًا وما زال الجوع موجودًا بيننا، ولكنه ليس أمرًا محتمًا. إذ حين نضع نصب أعيننا تحقيق الغاية نفسها، يمكننا - بل يجب علينا - أن نمضي قدمًا. وبالتعاون المستمر، يمكننا إنجاز المهمة والقضاء على الجوع. من أجل مستقبل أفضل ينعم فيه الجميع بالأمن الغذائي.