Food and Agriculture Organization of the United NationsFood and Agriculture Organization of the United Nations

استزراع الأسماك في حقول الأرزّ في أرض اللبن والعسل


التعاون بين بلدان الجنوب يُحدث ثورة في قطاع الزراعة في أوغندا

30/01/2025

تعمل السيدة Anastasia Mwamula، وهي حافية القدمين، على اجتثاث الحشائش في حقل الأرزّ الذي تملكه والذي تبلغ مساحته ربع فدان. وهو عمل مضنٍ يتطلب جهدًا كبيرًا؛ بيد أنها اعتادت على هذا العمل الشاق، هي التي بلغت من العمر 51 عامًا وتعيل ثمانية أطفال.

وفي كل صباح، تغادر السيدة Anastasia وزوجها السيد Zakaria Wapali، البالغ من العمر 58 عامًا، منزلهما المصنوع من الطوب الأحمر والواقع على تخوم قرية صغيرة تُعرف باسم "Scheme View" للعناية بهذه الحشائش وبغيرها من المحاصيل في حقلهما الذي تبلغ مساحته 15 فدانًا ويقع على بُعد كيلومترَين اثنين سيرًا على الأقدام. وهما يزرعان فيه الملفوف والموز والمانغو والذرة والكسافا والطماطم، فضلًا عن الأرزّ بطبيعة الحال.

ومن الجدير بالذكر أن السيدة Anastasia وزوجها السيدZakaria ينحدران من بوتاليجا، وهي منطقة زراعية يمكن وصفها ببساطة بأنها "سلة الأرزّ في أوغندا".

وكان إنتاج الأرزّ في بوتاليجا محدودًا حتى سبعينيات القرن الماضي، حين أُنشئ نظام رئيسي للريّ للمساعدة على ريّ الحقول والتعويض عن النقص خلال موسم الجفاف. أما اليوم، فقد أصبح معظم مزارعي هذه المنطقة يعتمدون على زراعة الأرزّ لكسب عيشهم.

وعانت السيدة Anastasia لسنوات طويلة من مشاكل تتعلق بغلات الأرزّ. واستمر ذلك حتى شهر مايو/أيار 2024، عندما التقت بخبراء أوفدتهم وزارة الزراعة والشؤون الريفية في جمهورية الصين الشعبية إلى أوغندا في إطار مشروع للتعاون بين بلدان الجنوب تنفذه منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) بالتعاون مع حكومتي الصين وأوغندا.

وقام آنذاك خبراء من الصين في مجال زراعة الأرزّ، إلى جانب نظرائهم من أوغندا، بتعليمها بعض التقنيات الأساسية، مثل تحسين تجفيف حقول الأرزّ والمباعدة بين الشتلات بصورة سليمة. وكانت النتائج مذهلة. فقد كانت تحصد قبل ذلك 100 كيلوغرام من الأرزّ من حقلها الذي تبلغ مساحته ربع فدان، أما الآن فهي تحصد زهاء 400 كيلوغرام.

وساعد السيد Taihua Chen، وهو خبير في مجال تربية الأحياء المائية في هذا المشروع، على تحقيق طموح آخر من طموحات السيدة Anastasia، ألا وهو الجمع بين إنتاج الأرزّ واستزراع الأسماك، وهو ما يُعرف باسم استزراع الأسماك في حقول الأرزّ.

ففي عام 2005، استمعت السيدة Anastasia إلى برنامج إذاعي تناول التقليد الصيني القديم المتمثل في استزراع الأسماك في حقول الأرزّ المغمورة بالمياه، فأثارت الفكرة اهتمامها. ويستند المزج بين استزراع الأسماك وزراعة الأرزّ إلى فكرة مفادها أن حقول الأرزّ توفر الحماية والغذاء العضوي للأسماك، بينما تعمل الأسماك على تليين التربة وتوفير المغذيات والأكسجين لمحصول الأرزّ. وتتغذى الأسماك على الحشرات والحشائش الضارة، وهو ما يساهم في الحفاظ على توازن إيكولوجي مثالي يتيح تحسين التنوع البيولوجي من دون اللجوء إلى مبيدات الآفات الضارة.

وأرادت السيدة Anastasia تطبيق هذه الممارسة، بيد أنها واجهت مصاعب تتعلق بسرب أسماك السلور وأسماك البلطي النيلي المحلية التي كانت تحتفظ بها في بركة سمك بجوار حقل الأرزّ الذي تملكه.

وهي تقول موضحة: "واجهتُ مصاعب في بداية الأمر، فلم تكن لديّ أية خبرة في مجال استزراع الأسماك، وكان إطعامها مكلفًا للغاية ولم أكن أعرف أصلًا كيفية القيام بذلك. ولم تكن المياه كافية فبدأت الأسماك بالنفوق".

وبيّن لها السيد Chen كيفية استخدام الأعلاف الطبيعية المتوفرة بسهولة، مثل الحلزون وأوراق الملفوف المفتتة، فساعدها ذلك على ادخار المال واستخدامه لشراء المزيد من الأسماك. وتمكّنت بذلك من مضاعفة إنتاجها من الأسماك بمقدار الضعفَين، فوصل إلى أكثر من 100 كيلوغرام. وتمثلت الخطوة التالية في إنشاء العلاقة التآزرية المنشودة في مزرعتها عن طريق استزراع الأسماك في حقول الأرزّ.

وتقول السيدة Anastasia إن جيرانها كثيرًا ما يسألونها عن سبب عدم شرائها ملابس جديدة بواسطة دخلها الإضافي الجديد.

فتجيب عن سؤالهم قائلة إنها تحبّذ تخصيص تلك الأموال لدفع نفقات الدراسة لأطفالها. وإذا سألها أحدهم عما إن كانت تريد شراء أي شيء لنفسها، تحمرّ وجنتاها خجلًا وتقول "أودُّ تغيير تصفيفة شعري لكي أبدو أكثر جمالًا."

أواصر عريقة

تتمتع أوغندا بأواصر صداقة وبعلاقات تجارية عريقة مع الصين. فقد أنشأت حكومة أوغندا مثلًا مشروع دوهو للريّ في بوتاليجا في عام 1976 بمساعدة الحكومة الصينية.

ولدى الصين أيضًا الكثير من الخبرات التي يمكنها تشاطرها مع أوغندا بشأن إطعام الناس في ظل تزايد أعداد السكان. فلم ينقض زمن طويل منذ واجهت مساحات شاسعة من آسيا مستويات جوع مماثلة لمستويات الجوع التي تعاني منها أفريقيا اليوم.

ولذلك بدا البلدان مناسبَين تمامًا لبرنامج المنظمة للتعاون بين بلدان الجنوب، الذي يقدم إطارًا فضفاضًا للتعاون بين البلدان النامية انطلاقًا من مفهوم التضامن.

ويرمي مشروع التعاون بين بلدان الجنوب المشترك بين المنظمة والصين وأوغندا إلى زيادة إنتاجية المزارعين في أوغندا ومساعدتهم على إنتاج المزيد من المحاصيل بأقل التكاليف من خلال توفير الدورات التدريبية والتكنولوجيا والمساعدة التقنية لهم في مجموعة واسعة من المجالات تشمل إنتاج المحاصيل وتربية الحيوانات وتربية الأحياء المائية وتربية دود القزّ. وأُعدّ المشروع أيضًا بما يتيح مساعدة المزارعين على تسويق منتجاتهم من خلال تطوير سلاسل القيمة والمناولة ما بعد الحصاد.

وأصبح مشروع التعاون بين بلدان الجنوب المذكور آنفًا أطول مشروع لا يزال مستمرًا في إطار برنامج التعاون بين بلدان الجنوب المشترك بين المنظمة والصين، إذ أعارت الصين ما مجموعه 56 خبيرًا زراعيًا لأوغندا منذ عام 2012.

وكان من بين هؤلاء الخبراء السيد Zhong Ping Luo، وهو خبير متمرس في مجال زراعة الأرزّ يبلغ من العمر 59 عامًا ويعمل على تدريب المزارعين في أوغندا منذ خمس سنوات. ويقول إنّ ذكرياته الشخصية عن نشأته في الصين عندما كانت أقل ازدهارًا عما هي عليه الآن شكّلت أحد الحوافز لعمله الذي يفتخر به بشدة.

ويقول السيد Zhong Ping في هذا الصدد: "لا زلت أتذكر حصص الطعام وشعوري بالجوع في بعض الأحيان". ويضيف قائلًا إن حضوره إلى أوغندا يُعزى جزئيًا إلى ذلك – فهو يريد المساهمة في المساعي الرامية إلى ضمان حصول الجميع على ما يكفي من الطعام.

وأوغندا بلد غير ساحلي، بيد أنها بلد أخضر للغاية، فهي تنعم بأرض خصبة وبوفرة في المياه بفضل بحيرة فيكتوريا ونهر النيل وموسمَي أمطار في السنة، فاستحقت بذلك لقب "لؤلؤة أفريقيا".

وغالبًا ما يُشار إلى مناطقها الغربية الناضرة، التي تزخر بالأبقار وتوفر موطنًا يأوي بعض آخر ما تبقى من غوريلا الجبال، باسم أرض "اللبن والعسل".

وتزدان طرقاتها بأشجار المانغو والكاكايا والموز، بينما تزيّن مزارع الشاي والبنّ تلالها.

وخطت أوغندا خطوات اقتصادية هائلة في العقود الماضية، بيد أنها لا تزال تعاني من الفقر المستحكم، الذي يطال زهاء 20 في المائة من سكان البلاد، ولا سيّما في المناطق الريفية التي يعيش فيها معظم السكان البالغ عددهم زهاء 50 مليون نسمة.

ولا تزال الزراعة تشكل عماد سُبل عيش القسم الأكبر من سكان أوغندا، ما يوفر فرصة هائلة لتعزيز الإنتاجية من خلال الانتفاع بالمعدات الحديثة وتحسين الدراية في هذا المجال.

وقالت السيدة Jessica Alupo، نائب رئيس أوغندا، "أوغندا بلد زراعي. فنحن نسعى، من خلال تحسين التكنولوجيا وتعزيز بناء القدرات وتدريب المزارعين، إلى جعل هؤلاء مزارعين تجاريين عوضًا عن كونهم مزارعي كفاف."

وأفادت السيدة Jessica Alupo، نائب الرئيس، بأن مشروع التعاون بين بلدان الجنوب يتسم بأهمية كبرى بالنسبة إلى أوغندا وبأنه ساهم في "النمو الاقتصادي والحد من الفقر في بلدنا."

ولعلّ أبلغ دليل على التزام حكومة أوغندا بهذا المشروع من خلال التمويل الكبير (9.6 ملايين دولار أمريكي) الذي ترصده لتنفيذ المرحلة الثالثة والراهنة من المشروع، فضلًا عن مبلغ 3 ملايين دولار أمريكي قدّمته الصين.

زيادة الغلات باستخدام الأرزّ الهجين

تتسم الطرق المحيطة بمنزل السيدة Anastasia وزوجها السيد Zakaria بكونها وعرة ومعظمها غير معبَّدة وذات أرضية ترابية وتحاذيها أشجار الموز وجوز الهند والمانغو من كلا الجانبَين. وتنتشر المنازل البدائية على طول الطريق وهي تجسّد أكواخ "السيمبا" التقليدية التي تتسم بها هذه المنطقة، وهي أكواخ صغيرة مستديرة مصنوعة من الطوب والطين ذات أسقف من القش يتوجه إليها الأبناء الناشئون للإقامة فيها إلى حين حلول موعد مغادرة منزل العائلة للزواج. ويلعب الأطفال هناك بحرية في الهواء الطلق، فيما يمكن مشاهدة الماعز والدجاج والكلاب تجوب أرجاء القرية.

وتُعدّ بوتاليجا المنطقة المعروفة تقليديًا بزراعة الأرزّ في أوغندا، وقد تمكّنت من الحفاظ على قدر كبير من هذه التقاليد الزراعية. /p>

فلا يزال بعض المزارعين يستخدمون الثيران في حراثة حقولهم، وقد تحسَّن نظام الريّ في المنطقة بشكل ملحوظ منذ سبعينيات القرن الماضي، بيد أن بعض أساليب الإنتاج ظلت على حالها منذ آلاف السنين.

وباتجاه الشرق، لناحية الحدود مع كينيا، يعيش السيد Robert Sagula، وهو مزارع أرزّ يبلغ من العمر 69 عامًا وينحدر من نابيغاندا.

ويُعدّ Robert أحد أكثر مزارعي الأرزّ خبرة في المنطقة. فقد بدأ العمل بالزراعة بعد الانتهاء مباشرة من دراسته في المدرسة فتولى شؤون مزرعة الأسرة عندما توفي والده في عام 1986. وكان من أوائل الأشخاص الذين مارسوا زراعة الأرزّ عندما أُعيد تنشيط زراعته في السبعينيات من القرن الماضي.

وقد التحق بدورات تدريبية متخصصة في إطار مشروع التعاون بين بلدان الجنوب، شأنه في ذلك شأن الآلاف من مزارعي الأرزّ الآخرين. وقد تعلّم فيها تقنيات التشتيل، وكيفية تهيئة الأرض بواسطة أعمال الحفر والتسميد المناسبة، والمسافات الفاصلة المناسبة بين الأشجار لزيادة إمكانية نموها قدر المستطاع، وفهم أنسب توقيت للحصاد على نحو أفضل.

وقد ساعدت هذه النصائح المزارعين المحليين فعلًا على زيادة غلات أصناف الأرزّ التقليدية.

ويتمثل أحد العناصر الرئيسية للمشروع في التشجيع على زراعة صنف أرزّ هجين عالي الإنتاج ومقاوم للجفاف تمّ استحداثه في الصين.

فقد باتت موجات الجفاف أكثر تواترًا وأصبحت الانهيارات الأرضية تثير قلقًا متزايدًا في المناطق المحيطة بجبل إلغون، وهو بركان خامد يبلغ ارتفاعه 000 3 متر ويلوح في الأفق. ولذلك تحتاج أوغندا إلى محاصيل قادرة على التكيف بصورة أفضل مع مناخ لا ينفك يتغير.

ومع أنّ بذور هذا الأرزّ الهجين باهظة الثمن، بيد أنها تنطوي على عدد من المزايا الإضافية مقارنة بأصناف الأرزّ التقليدية. فهي تبلغ مرحلة النضج خلال 125 يومًا، عوضًا عن مدة الستة أشهر المعتادة، وهي تساهم في زيادة غلات المحصول بأكثر من الضعفَين (من 1.6 أطنان إلى 4 أطنان للهكتار الواحد)، فضلًا عن كونها تعبق برائحة عطرية يستسيغها الكثيرون. ولذلك يمكن أن يصل سعر بذور هذا الأرزّ الهجين إلى 000 4 شلن أوغندي للكيلوغرام الواحد، وهو ما يتجاوز بكثير متوسط السعر البالغ تقريبًا 000 2 شلن أوغندي للكيلوغرام الواحد.

وقد اعتمد السيد Robert بالكامل زراعة هذا الصنف الجديد في حقوله.

وهو يقول في هذا الصدد: "يُعزى هذا التغيير ببساطة إلى أن محصول الصنف القديم كان يبلغ 500 كيلوغرام للفدان الواحد، بينما أحصل الآن بفضل الصنف الجديد على أكثر من 000 2 كيلوغرام للفدان الواحد."

ويرى السيد Robert أن الأرزّ الهجين قادر على التصدي لمشكلة الجوع في أوغندا وعلى تحويل البلاد إلى سلة غذاء لجزء كبير من القارة الأفريقية.

ويقول السيد Robert بينما يعتني بحقل الأرزّ الذي يملكه إن أوغندا "تتمتع بطقس رائع وبمياه ممتازة، وهي ظروف مؤاتية لجعلها قادرة على إطعام كل بلدان شرق ووسط أفريقيا."

وبات من الجلي أن المشروع يُحدث أثرًا إيجابيًا يتردد صداه كما النسيم في نبتات الأرزّ التي يقوم بزراعتها. فقد التمس منه المشورة حتى الآن 200 من زملائه. ويرمي أحد أهداف المشروع إلى "تدريب المدربين" لضمان مواصلة تعميم فوائده حتى بعد الانتهاء من تنفيذه.

وتنفرج شفتا السيد Robert عن ابتسامة تزيّن ثغره فيقول: "إنهم يلقبوني باسم "كبير مزارعي الأرزّ" (Musamesa، أي المعلم).

وتسنى توزيع أكثر من 10 أطنان من البذور الهجينة على المزارعين وزراعة الصنف الجديد في أكثر من 000 10 فدان في أوغندا.

ويواصل المشروع أيضًا الجهود الرامية إلى الترويج لممارسة الجمع بين الأرزّ والأسماك، إذ يزداد الطلب مثلًا على أسماك السلور في جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة.

وما فتئ السيد Chen وزملاؤه يعملون على تدريب السيدة Anastasia والسيد Zakaria ومئات المزارعين على حرفة استزراع الأسماك في حقول الأرزّ، فقد أُنشئ أكثر من 50 موقعًا إرشاديًا في هذا الصدد في جميع أرجاء أوغندا.

ووفقًا للحسابات التي أجراها خبراء المشروع، يمكن أن تبلغ إنتاجية حقل أرزّ مغمور بالمياه بمساحة 200 1 متر مربع طنًا واحدًا من الأرزّ المغمور بالمياه و400 كيلوغرام من الأسماك في حال الجمع بين الأرزّ والأسماك.

وينطوي جزء من مشروع المنظمة على دعم مركز البحوث والتنمية في مجال تربية الأحياء المائية في كاجانسي، حيث أُنشئت مواقع إرشادية واختبارية لاستزراع الأسماك في حقول الأرزّ ويجري تدريب القائمين على استزراع الأسماك على تحسين الإنتاج وسلاسل القيمة الخاصة بتربية الأحياء المائية.

أما في الصين، فإن العبارة الموازية لعبارة "أرض اللبن والعسل" هي "أرض الأرزّ والسمك". ولعل ذلك يصحّ هنا نظرًا إلى الاتجاه الذي تسير فيه الزراعة في البلاد.

بيد أن انتشار هذه الممارسة الصينية القديمة في أوغندا ينطوي على بعض العقبات.

وفي هذا الصدد، يشير السيد Charles Oberu، الموظف الرئيسي لشؤون مصايد الأسماك في وزارة الزراعة وقطاع الإنتاج الحيواني ومصايد الأسماك في أوغندا، إلى أن مفرخات الأسماك في أوغندا تقع حاليًا على مسافة تبعد كثيرًا عن العديد من المزارعين (نظرًا إلى أن الأسماك لا تتكاثر في حقول الأرزّ، بل في الأنهار). ولذلك من المقرر جعل المفرخات أقرب إلى المجتمعات المحلية وتيسير سُبل وصول أفرادها إليها لإتاحة الفرصة لمزارعين آخرين للانتفاع بها.

دُخْن ذيل الثعلب والعصيدة المصنوعة منه

تستلزم أزمة المناخ، كما هو الحال في معظم أرجاء العالم، وجود محاصيل يمكن أن تنمو باستخدام كميات أقل من المياه.

وعكف السيد Wenjing Long، وهو خبير صيني في مجال استنباط أصناف جديدة من المحاصيل في "المجمع الزراعي للتعاون الصناعي بين أوغندا والصين" على اختبار محاصيل مختلفة في أوغندا، من الباذنجان والذرة الرفيعة إلى الفلفل الحار.

وبرز دُخْن ذيل الثعلب أو الدُخن الإيطالي (Setaria italica) بوجه خاص باعتباره أحد المحاصيل الفعالة، وهو عشب يحمل هذا الاسم لأن رأس بذوره يحتوي على عناقيد ذهبية مائلة إلى الحمرة ومكسوة بالشعر شبيهة بذيل الثعلب.

وقد عُثر على أقدم دليل على زراعة دُخْن ذيل الثعلب على طول المجرى القديم للنهر الأصفر في سيشان في الصين، ويعود تاريخه إلى أكثر من 000 8 سنة. ويُعدّ دُخْن ذيل الثعلب أكثر أنواع الدُخْن زراعة على نطاق واسع في آسيا، ولكنّ زراعته لم تبدأ في أوغندا إلا مؤخرًا.

ويتسم دُخْن ذيل الثعلب بعدد من الخصائص تضم مثلًا قدرته على مقاومة الجفاف والأمراض، وهو ما يُغني عن ضرورة استخدام مبيدات الآفات الكيميائية لزراعته، فضلًا عن كونه عالي الإنتاج وتستغرق عملية حصاده 85 يومًا فحسب. وهو غني بالبروتينات وبفيتامينات B12. وقد بدأت النساء في أوغندا بخلط دقيق الدُخْن مع الكاسافا لإنتاج خبز داكن ولذيذ ومقرمش يُسمّى "كالو" (kalo). وتُطحن بذور الدُخْن المجففة فتصبح دقيقًا، ثم يُخلط بالمياه ويُطهى في قِدر كبير لصنع عصيدة ذات قيمة غذائية هائلة.

السيد Charles Swama أب يبلغ من العمر 40 عامًا ويعيل أربعة أولاد صغار من منطقة ناوانجوفو الواقعة في بوتاليجا. ويبلغ أكبر أبنائه من العمر 13 عامًا، بينما يبلغ أصغرهم شهرين فقط. وكان يعمل فيما مضى مهندسًا متخصصًا في إصلاح الآلات الزراعية وأنظمة الريّ، إلى أن فقد وظيفته من جرّاء جائحة كوفيد-19.

واغتنم الفرصة السانحة عندما أدخل خبراء المشروع دُخْن ذيل الثعلب إلى قريته في عام 2023.

ويقول السيد Charles في هذا الصدد: "لم تكن لدي أية فكرة عن دُخْن ذيل الثعلب" وأردف قائلًا إنه اقتنع بزراعته بعد أن عرف فوائده من حيث زيادة الغلات والمحتوى الغذائي.

ونظرًا إلى خلفيته الهندسية، فقد ارتأى أن يقترض بعض الأموال لشراء قطعة أرض غير مستخدمة تقع بالقرب من مستنقع واستخدام المياه المتوفرة على مقربة منها لريّ حقله.

ويقول السيد Charles: "انتابني شعور عميق بالحماس وبالسعادة الغامرة بعد الانتهاء من أول عملية حصاد."

وهو يمتلك اليوم تسعة أفدنة و14 رأسًا من الماشية يستخدم روثها لتسميد حقله، وهي نصيحة أخرى حصل عليها من الخبراء الصينيين.

وخصص السيد Charles دخله الإضافي الجديد لتوسيع مزرعته ودفع تكاليف تعليم أولاده، ولكنه أفاد بأنه يصبو إلى شراء شاحنة لتسهيل عملية نقل منتجاته إلى الأسواق.

دور المنظمة والفرص المتاحة في السوق

حقق مشروع التعاون بين بلدان الجنوب في أوغندا نجاحًا ملحوظًا. وكان من المقرر أصلًا، في إطار المرحلة الحالية من المشروع، الوصول إلى 600 9 مستفيد. بيد أنّ 000 70 مزارع قد استفادوا حتى الآن من المشروع في جميع أرجاء أوغندا، إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

وشهدت المناطق التي نُفّذ فيها المشروع زيادة في إنتاج الأرزّ بمقدار أربعة أضعاف، من 2.5 إلى 10 أطنان للهكتار الواحد، بينما ارتفع إنتاج الحليب من لترين اثنين إلى سبعة لترات لكل بقرة في اليوم. وأفضى تطبيق تقنيات منخفضة الكلفة لتغذية الأسماك إلى تعزيز الإنتاج في قطاع تربية الأحياء المائية، بينما أدى الجمع بين الأسماك والأرزّ، فضلًا عن إدخال محاصيل جديدة مثل دُخْن ذيل الثعلب، إلى زيادة إيرادات المزارعين.

وكان أكثر من 170 صنفًا جديدًا من المحاصيل قيد التجريب، بينما جرى تدريب أكثر من 000 1 مزارع على برامج تغذية الماشية، وأُنشئ 17 موقعًا إرشاديًا خاصًا بالدواجن، واقترن ذلك بتسليم 000 11 من صغار الدجاج و25.8 أطنان من علف الدواجن إلى الجهات المتلقية.

ووفقًا للسيد Antonio Querido، ممثل المنظمة في أوغندا، يتمثل أحد مواطن قوة مشروع التعاون بين بلدان الجنوب في قدرته على تجاوز الانقسام التقليدي بين الجهات المانحة والجهات المتلقية من خلال نقل التكنولوجيا والمعارف نقلًا مخصصًا يلائم احتياجات السياق المحلي ويعود بالنفع على المزارعين المحليين.

وتضطلع المنظمة، في هذا الصدد، بدور هام لضمان أن تكون التكنولوجيات التي يجري نقلها من الصين إلى أوغندا مستدامة وملائمة لاحتياجات المجتمعات المحلية.

ويقول السيد Antonio Querido، ممثل المنظمة، إن "الهدف الذي نصبو إلى تحقيقه هو أن يأخذ المزارعون بالممارسات الزراعية الجيدة. ويتمثل دور الخبراء الصينيين في ضمان نشر هذه الممارسات الزراعية، فضلًا عن التكنولوجيات، لكي يتمكن المزارعون من فهم أفضل السُبل الكفيلة بالتعامل مع هذه المحاصيل".

ويؤكد السيد Lizhong Zhang، سفير الصين لدى أوغندا، أن الصين داعم ومؤيد كبير لمشروع التعاون بين بلدان الجنوب ويقول في هذا الصدد: "لقد حقق المشروع نجاحًا كبيرًا وأرسى نموذجًا ممتازًا يمكن أن تحتذي به بلدان الجنوب."

ويعود المشروع بالفعل بآثار إيجابية على سوق التصدير في أوغندا. فقد تقدمت مثلًا إحدى الشركات الصينية مؤخرًا بطلب شراء كمية كبيرة من الفلفل الحار قدرها 000 70 طن، ما دفع المنتجين المحليين حاليًا إلى تقييم قدرتهم على تلبية هذا الطلب.

وتمخّض نجاح أول مرحلتين من المشروع عن اتفاق حكومتي الصين وأوغندا على تمديد المشروع لمدة ثلاث سنوات. وترمي المرحلة الثالثة، التي بدأ تنفيذها في عام 2023، إلى التوسع بقدر أكبر في إنتاج الحبوب والثروة الحيوانية وتربية الأحياء المائية. وهي ترمي أيضًا إلى بناء القدرات، ولا سيّما في صفوف النساء والشباب والفئات المهمشة الأخرى، وإلى دعم الاستثمارات الزراعية والتصنيع الزراعي والتجارة.

وأجرت، في الوقت ذاته، وفود من أكثر من اثني عشر بلدًا، منها ليبيريا ونيجيريا وسيراليون وتنزانيا، زيارات لأوغندا للوقوف على إمكانية تكرار نجاح المشروع في أماكن أخرى من أفريقيا.

وتعمل المنظمة، في إطار برنامج التعاون بين بلدان الجنوب المشترك بين المنظمة والصين، على تنفيذ مشاريع وأنشطة تدريبية في أكثر من 100 بلد في جميع أرجاء العالم منذ عام 2009.

لمعرفة المزيد: