يستخدم الاقتصاد البيولوجي المستدام الابتكار ويسخّر قوة العلوم البيولوجية والتكنولوجيا البيولوجية لإنتاج الأغذية بشكل مسؤول، وتقليص الهدر، والتحوّل إلى البدائل البيولوجية المصدر للمواد البلاستيكية والوقود الأحفوري، وتلبية احتياجات عدد السكان المتزايد مع الحفاظ على مواردنا الطبيعية. ©Unsplash/David Clode
الأغذية تُهدر. والبحار تُلوّث. والمكبّات ممتلئة إلى أقصى حد. وبعد سنوات من استخدام مواردنا الطبيعية الثمينة كما لو أنها لامتناهية، بات من الواضح استنادًا إلى نتائج سلوكنا أن الوقت قد حان لتغيير طريقة عملنا. لكن كيف ذلك؟ إنّ الاقتصاد البيولوجي الذي يرتكز على الحد من الهدر ويراعي الاعتبارات البيئية والاجتماعية هو نقطة انطلاق ممتازة.
ما هو إذًا الاقتصاد البيولوجي المستدام؟
إن الاقتصاد البيولوجي الدائري المستدام هو أساسًا نظام غير مسبوق وإصلاحي، يعزّز الصناعة والاقتصاد، ويحمي في الوقت نفسه كوكبنا للأجيال المقبلة. وهو يشمل التحوّل نحو البدائل البيولوجية المصدر للمواد البلاستيكية والوقود الأحفوري، والقضاء على استخدام المواد الكيميائية السامة، وتقليص الهدر، عن طريق المواد والمنتجات والنظم ونماذج الأعمال المبتكرة. وهو يعني أيضًا تسخير قوة العلوم البيولوجية والتكنولوجيا البيولوجية للتصدي للتحديات التي نواجهها، مثل توفير الأغذية والأعلاف والألياف والمنتجات الخشبية، والمواد الكيميائية البيولوجية المصدر، بما يشمل بدائل المواد البلاستيكية، في ظلّ تزايد عدد السكان مع الحفاظ على مواردنا الطبيعية.
وترد في ما يلي خمس طرق تساعد من خلالها منظمة الأغذية والزراعة في الانتقال إلى اقتصاد بيولوجي دائري مستدام من أجل تحقيق إنتاج أفضل للأغذية، وتغذية أفضل وسبل عيش أفضل وبيئة أفضل:
1- الحد من الفاقد والمهدر من الأغذية
إننا ندرك أنّ تزايد عدد السكان وارتفاع المداخيل سيؤديان إلى ارتفاع الطلب على المنتجات الغذائية والزراعية، ما يزيد من الضغط على الموارد الطبيعية. ويعني التخفيف من حدة المشاكل المتصلة بالزراعة المكثفة للمحاصيل وتربية الماشية أو الإفراط في صيد الأسماك أن نكون مسؤولين بشكل أكبر عند إنتاج الأغذية واستهلاكها، وإعادة استخدام الأغذية التي غالبًا ما تنتهي في القمامة، وزيادة إنتاج الأغذية بطريقة مستدامة.
وتعمل منظمة الأغذية والزراعة مع البلدان في جميع أنحاء العالم لتحليل سلاسل القيمة الغذائية والحد من الفاقد من الأغذية في مختلف المراحل. وفي الوقت الراهن، يُفقد 14 في المائة من إجمالي الأغذية المنتجة بدءًا من مرحلة الحصاد وصولًا إلى مرحلة البيع بالتجزئة. كما تضيع كميات كبيرة على مستوى المستهلكين. ويعني الاقتصاد البيولوجي الدائري الحد من الفاقد والمهدر من الأغذية عن طريق تعزيز سلاسل القيمة، وإيجاد أوجه استخدام جديدة للأغذية التي تُفقد وتُهدر.
وتضطلع المدن التي يزداد عدد سكانها بشكل مطرد، بدور ملحوظ في ترشيد الاستهلاك بقدر أكبر. وقد ساعدت منظمة الأغذية والزراعة بلدية ليما، بيرو، في إنشاء فريق مهام معني بالأغذية في المدينة قام بدوره بإنشاء مركز تسميد لإدارة النفايات البيولوجية. ونتيجة لذلك، تم خفض كمية النفايات العضوية في المكبّات ونظام الصرف في المدن بشكل ملحوظ.
2- التصدي للتلوث الناجم عن المواد البلاستيكية
يتمثل أحد الأهداف الرئيسية لإرساء اقتصاد بيولوجي دائري ومستدام في استخدام المزيد من المواد المصنوعة من الموارد القابلة للتحلل طبيعيًا وتقليص النفايات البلاستيكية وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ويشكّل الحد من المواد البلاستيكية المستخدمة في المزارع جزءًا كبيرًا من ذلك. إذ قد يكون من الصعب إعادة تدوير هذه المواد البلاستيكية بوجه خاص، لأن العديد منها ملوث بمبيدات الآفات والأسمدة. ونتيجة لذلك، تطلق منظمة الأغذية والزراعة مبادرة جديدة للمواد لبلاستيكية الزراعية من أجل تقييم حجم المنتجات البلاستيكية المستخدمة في النظم الغذائية الزراعية على الصعيد العالمي، ومصيرها وتأثيراتها. وستوفر المبادرة بدائل عن المواد البلاستيكية وتعزز استخدام مبيدات الآفات والأسمدة العضوية للحد من النفايات البلاستيكية الملوثة.
وتوجد أيضًا أمثلة مبتكرة أخرى لتقليص المواد البلاستيكية في أماكن أخرى. ففي المكسيك مثلًا، تهدف شراكة بين مؤسسة كبرى لإنتاج المشروبات الكحولية للبالغين وشركة تصنيع للسيارات إلى إنتاج مواد بيولوجية المصدر ومنتجات مشتقة من نبتة الأغاف. وغالبًا ما يتم حرق البقايا أو إرسالها إلى المكبّات. أما اليوم فتقوم الشركتان بتطوير نوع من البلاستيك البيولوجي الخفيف الوزن من بقايا نبتة الأغاف. وسوف تستخدم هذه المواد البلاستيكية البيولوجية في مصانع التجميع التابعة لشركة السيارات المكسيكية.
يتمثل الهدفان الرئيسيان للاقتصاد البيولوجي الدائري والمستدام في زيادة استخدام الموارد القابلة للتحلل طبيعيًا من أجل الحد من النفايات البلاستيكية وتنويع إنتاجنا الغذائي من أجل المساعدة في حماية التنوع البيولوجي وتشجيعه. الصورة إلى اليسار/القسم العلوي: ©wonderisland/shutterstock.com الصورة إلى اليمين/القسم السفلي: ©FAO/Roberto Faidutti
3- تنويع أنماطنا الغذائية والاعتماد على عدد أكبر من المحاصيل
من بين ستة آلاف نوع من النباتات التي تمّت زراعتها لأغراض الغذاء، نعتمد على 9 أنواع منها لإنتاج 66 في المائة من إجمالي إنتاجنا الغذائي.
ويركّز عمل المنظمة في مجال زيادة التنوع البيولوجي، ولا سيما في النظم الزراعية الغذائية، على تعزيز عدد الأغذية والأنواع التي نعتمد عليها، ما من شأنه أن يساعد على تعزيز تنويع المحاصيل والابتعاد عن المنافع الاقتصادية الناجمة عن الزراعة الأحادية المحاصيل.
وعلاوةً على ذلك، يؤدي تنويع الزراعة إلى تعزيز التغذية. وفي العديد من المجتمعات الزراعية، يعتمد السكان على محصول رئيسي واحد وهو ما يعني أنهم يواجهون فترةً يفتقرون خلالها إلى هذا الغذاء. ويمكن لتعزيز إنتاج المحاصيل المحلية المعروفة أقل على المستوى العالمي والمغذية بدرجة عالية مثل الكسافا أو الدخن، أن يساعد المجتمعات المحلية على تلبية احتياجاتها الغذائية بشكل أفضل ودعم التنوع البيولوجي للمحاصيل المزروعة.
4- تعزيز المنتجات البيولوجية المصدر كبدائل للأسمدة ومبيدات الآفات الاصطناعية
يؤدي الإفراط في استخدام الأسمدة ومبيدات الآفات الكيميائية بالفعل إلى مشاكل تلوث المياه والتربة، فضلاً عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ويكتسي إيجاد حلول بيولوجية لهذه المواد الكيميائية أهمية أكبر في ظل ارتفاع عدد السكان والحاجة إلى تزويدهم بما يكفي من الغذاء.
وتعدّ الصين من بين الأمثلة المبتكرة عن الحلول البيولوجية المصدر حيث تقوم وزارة الزراعة ووزارة المالية حاليًا بتنفيذ برنامج يستكشف إمكانية استخدام القشّ كسماد. والقشّ هو منتج مشتقّ من إنتاج القمح والحبوب ويؤدي استخدامه كسماد إلى حل مشكلتين في آن واحد: أي تقليص استخدام الأسمدة الكيميائية وتزويد المزارعين ببديل عن حرق القش المتبقي، وهو ممارسة شائعة ولكنّها تشكّل مصدر تلوث كبير.
يساعد مشروع المنظمة للتربية الذكية مناخيًا للثروة الحيوانية، المزارعين على اعتماد أساليب مثل الرعي بالتناوب وإعداد السماد للمراعي، ما يساعد على منع تدهور الأراضي ويجعل تربية الثروة الحيوانية مستدامة على نحو أكبر. ©FAO
5- إصلاح الأراضي المتدهورة وتحسين إدارة تربية الثروة الحيوانية
يعتمد الكثير من السكان في جميع أنحاء العالم على تربية الثروة الحيوانية لكسب سبل عيشهم، ولكن الاضطلاع بهذه الأنشطة بطرق غير مستدامة قد يؤدي إلى تدهور الأراضي. ويشجّع مشروع المنظمة للتربية الذكية مناخيًا للثروة الحيوانية على تعزيز الإدارة المستدامة لتربية الثروة الحيوانية في العديد من أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال، في إكوادور، توفّر مبادرة تم تنفيذها بدعم من مرفق البيئة العالمية وحكومة إكوادور للمزارعين تدريبًا عمليًا مثلًا، عن تجهيز نظم الريّ وصنابير مياه الشرب والبنى التحتية لحلب الأبقار. ويتعلمون أيضًا أساليب جديدة للإنتاج مثل الرعي بالتناوب، وإعداد السماد للمراعي، وكيفية إنتاج الأعلاف لحيواناتهم، ما يساعد على منع تدهور الأراضي ويجعل تربية الثروة الحيوانية مستدامة على نحو أكبر.
ولا توجد طريقة واحدة لإنشاء اقتصاد بيولوجي، ولا تحدث الاستدامة بصورة تلقائية. ولكن، مع أمثلة ناجحة قائمة بالفعل، تقوم المنظمة بالتعاون مع مجموعة العمل الدولية المعنية بالاقتصاد البيولوجي المستدام، بالاستفادة من هذا الزخم لوضع خطوط توجيهية للاقتصاد البيولوجي المستدام. وسوف تشمل هذه الخطوط التوجيهية الممارسات الجيدة والأدوات والتوجيهات بشأن كيفية وضع أطر للرصد ومساعدة البلدان على تنفيذ الاستراتيجيات والسياسات والبرامج الوطنية الخاصة بالاقتصاد البيولوجي على نحو مستدام.
إن الاقتصاد البيولوجي المستدام الدائري مجدٍ ليس من الناحية البيئية فحسب بل أيضا من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية. فالاستدامة فرصة يتعين علينا أن نستغلّها لحماية كوكبنا وضمان مستقبل أفضل.
للمزيد من المعلومات
المطبوع: نحو اقتصاد بيولوجي مستدام. الدروس المستخلصة من دراسات الحالات
الصفحة الإلكترونية: الاقتصاد البيولوجي الدائري والمستدام من أجل تحويل النظم الغذائية
مقالة إلكترونية: نموذج اقتصادي مؤقت أو جديد؟