أرسى الدكتور Lal نهج الأسس في مجال الزراعة الحافظة للموارد، وهو نهج يساعد على إصلاح التربة في العالم واحتجاز الكربون ومكافحة انعدام الأمن الغذائي. ©Ohio State University/K. Chamberlain
واجه الدكتور Rattan Lal الذي ترعرع في قرية صغيرة في الهند، الكثير من الصعوبات التي يواجهها صغار المزارعين اليوم. فلم يكن لدى عائلته لا مياه ولا كهرباء، ولكنّه يوضح قائلًا: "لم نفتقد يومًا للمياه ولا للكهرباء لأن الجميع كان يعيش بهذا الشكل".
وقد واجه والده الذي كان مزارعًا، تحديات متصلة بالريّ وبمسائل التربة المالحة، وهما مسألتان أدرك الدكتور Lal في ما بعد أنه يمكن معالجتهما عن طريق تحسين نظام تصريف المياه في الأراضي. ولكنّه لم يتوصّل إلى فهم هذه المسألة سوى بعد سنوات من الدراسة، وراح يعلّم العالم عن الدور الأساسي الذي تضطلع به التربة.
وبالفعل، فإنّ الدكتور Lal، الذي حاز على جائزة نوبل للسلام* وبعدها على الجائزة العالمية للغذاء، قد غيّر نظرتنا إلى الإدارة المستدامة للتربة، ومهّد طريقًا جديدًا لما يعرف اليوم باسم الزراعة المحافظة على الموارد، وهو نهج بإمكانه أن يؤدي دورًا كبيرًا في إصلاح التربة المهملة في العالم واحتجاز الكربون ومكافحة انعدام الأمن الغذائي.
ويتمحور صلب الزراعة المحافظة على الموارد على تقليل الاضطرابات اللاحقة بالتربة إلى أدنى حدٍّ (ما يعني الحد من الحراثة)، وتوفير الغطاء النباتي الدائم وتنويع إنتاج المحاصيل، وهي عوامل تسهم جميعها في تعزيز التنوع البيولوجي، والحد من استخدام المياه، وتحسين صحة التربة.
وتضطلع الزراعة المحافظة على الموارد بدور هام في كيفية دعم منظمة الأغذية والزراعة للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي. وإنّ منافع هذا النهج متعددة، بدءًا من زيادة الغلال وخفض التكاليف بالنسبة إلى المزارعين، وصولًا إلى توفير تربة سليمة بقدر أكبر، واحتجاز الكربون بقد أكبر. وتمكّن الدكتور Lal من فهم ذلك كلّه، وسعى منذ ذلك الوقت إلى نشر معارفه.
خبير رائد في مجاله
في سبعينيات القرن الماضي، عندما كان الدكتور Lal يعمل لدى المعهد الدولي للزراعة المدارية في نيجيريا، اكتشف أنه من خلال القضاء على ممارسات الفلاحة، وبمجرد تغطية التربة ببقايا المحاصيل، تمكّن من إنتاج خمسة أطنان من الذرة للهكتار الواحد في كل موسم؛ في حين لم يتمكن المزارعون المحليون سوى من إنتاج طنّ واحد للمساحة نفسها. ولكن، ولسبب ما فإنّهم لم يعتمدوا بعد ممارسات الزراعة المحافظة على الموارد.
وقد اعتبر الدكتور Lal أن السبب في ذلك يرجع إلى عدم ثقتهم في الزراعة التي لا تقوم على الحراثة. وبعد مرور أكثر
من أربعين عامًا، تقوم منظمة الأغذية والزراعة وغيرها من المنظمات مثل الشبكة الأفريقية للحراثة المحافظة على التربة بتعزيز ممارسات الزراعة المحافظة على الموارد في أفريقيا بنجاح أكبر.
وعلى سبيل المثال، تقوم المنظمة عن طريق مشروع تعزيز التنسيق في مجال الزراعة الحافظة للموارد وتوسيع نطاقها وحوكمتها في أفريقيا الجنوبية بالنهوض بمستوى اعتماد المزارعين لممارسات الزراعة المحافظة على الموارد.
وبما أنّ هذا الإقليم يعاني من الاحترار الذي تصل نسبته إلى ضعف المعدلات العالمية، فثمة حاجة ملحة إلى تعزيز النظم الغذائية وزيادة قدرة المزارعين على الصمود، علمًا بأن العديد منهم يمارسون الزراعة الصغيرة النطاق أو زراعة الكفاف. وللقيام بذلك، يعمل المشروع على تعزيز التعاون بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية ووكالات التنمية، ما يزيد من قدرة منظمة الأغذية والزراعة وشركائها على توثيق المعارف وأفضل الممارسات المتصلة بالزراعة الحافظة للموارد وتشاركها مع المزارعين.
ومن بين الأمثلة الحديثة عن هذا التعاون زمبابوي حيث تقوم المنظمة والمنظمة غير الحكومية "Foundations for Farming" بدعم الحكومة في هدفها الطموح المتمثل في تدريب 1.8 ملايين مزارع في مجال الزراعة الحافظة للموارد.
ويقول الدكتور Lal "لا أرى سببًا يحول دون أن تصبح أفريقيا سلّة غذاء العالم".
تدعو الزراعة المحافظة على الموارد إلى ترك بقايا المحاصيل في الحقول، فينشأ عنها غطاء عضوي يعيد المغذيات إلى التربة. ويعتقد السيد Lal أن "الأشخاص صورة طبق الأصل عن التربة التي يعيشون عليها". فلكي نتنعّم بصحة جيدة، ينبغي للتربة أن تكون صحية. الصورة على اليسار: ©Ohio State University/K. Chamberlain ؛ الصورة على اليمين: © Conservation Farming Unit
إصلاح التربة المهملة
لقد عانت التربة من الإهمال على مدى سنوات عديدة: فقد استنزفت الزراعة الأحادية المحاصيل والاستخدام غير السليم للمواد الكيميائية المغذيات والميكروبات الأساسية الموجودة في التربة الصحية. ولعكس هذا المسار، يصرّ السيد Lal على أنه ينبغي للمزارعين أولًا إدارة خصوبة التربة بواسطة المواد العضوية.
فيقول: "لا يعيد المزارعون ما يأخذونه، وبالتالي تتدهور التربة. والأشخاص صورة طبق الأصل عن التربة التي يعيشون عليها: فتتأثر صحّتهم بصحّتها على نحو متساوٍ.
وعندما يتعلق الأمر باستخدام الأراضي، يشدّد قائلًا إنّنا نملك أكثر مما نحتاج إليه، وإننا لا نستخدمها بشكل صحيح.
"إنّ الفكرة المتمثلة في إنتاج كميات أكبر والهدر أكثر فأكثر جريمة بحقّ الطبيعة. وتتمثل الفلسفة المثالية في إنتاج كميات أكبر بالاستناد إلى قدر أقلّ من الموارد: أي استخدم مساحات أقل من الأراضي، وكميات أقل من المياه والأسمدة ومبيدات الآفات، وتوليد كميات أقل من انبعاثات الاحتباس الحراري والهدر بشكل أقل".
ورغم اعترافه بأنّ التربة والزراعة الحافظة للموارد وحدهما لن يعوّضا عن انبعاثات الاحتباس الحراري، يقول "إن تخزين الكربون في التربة والأشجار هو أبسط ما يمكن فعله وله العديد من المنافع الأساسية وهي: الأمن الغذائي والتغذوي، وتحسين جودة المياه، وتعزيز التنوع البيولوجي".
ويقول: "إذا استخدمنا الممارسات القائمة على العلوم، أي الاستغناء عن الحراثة، وتوفير الغطاء النباتي من خلال بقايا المحاصيل، والزراعة الحافظة للموارد، فيمكن للزراعة أن تكون حلّا لتغير المناخ".
تحتوي التربة على 25 في المائة من إجمالي التنوع البيولوجي. والتربة مادة حية ينبغي احترامها وحمايتها. ©Conservation Farming Unit
التفاؤل المثالي
أخيرًا، يعتقد الدكتور Lal أن دور التربة أساسي للغاية ولا يمكن تجاهله.
فيقول: "إنّ التربة مادة حيّة: وهي تحتوي على 25 في المائة من إجمالي التنوع البيولوجي. وعلى غرار أي مادة حية أخرى، ينبغي أن يكون للتربة أيضًا الحق في أن تكون محمية، وأن يتم إصلاحها وتتم إدارتها على نحو سليم".
والدكتور Lal متفائل للغاية: فهو سعيد لرؤية تزايد التقدير الذي تحظى به التربة، ويثني على الجهود الدولية لمواجهة تغير المناخ.
ويقول: "إن منظمة الأغذية والزراعة وغيرها من المنظمات تعترف الآن بأهمية التربة: فالجائزة العالمية للغذاء التي نلتها مؤخرًا خير شاهد على ذلك".
ومع تغير المناخ بسرعة في أجزاء كثيرة من العالم، تشجّع منظمة الأغذية والزراعة اعتماد نظم إنتاج أكثر قدرة على الصمود وأكثر كفاءة، مثل الزراعة المحافظة على الموارد. وإذا ما أراد صغار المزارعين على مستوي العالم تحقيق الأمن الغذائي، فللتربة دور رئيسي في تحقيق هذا الهدف. لذلك، تشجّع المنظمة الإدارة المستدامة للتربة من خلال مبادرات مثل الشراكة العالمية من أجل التربة وتحتفل باليوم العالمي للتربة في 5 ديسمبر/ كانون الأول من كل سنة، من أجل التوعية بأهمية موارد التربة.
*حصل الدكتور راتان لال على شهادة جائزة نوبل للسلام لمساهماته في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، حائز على جائزة نوبل للسلام عام 2007
للمزيد من المعلومات
المقالة: الزراعة الحافظة للموارد تحقق نجاحًا في زمبابوي (باللغة الإنكليزية)
الموقع الإلكتروني: الزراعة الحافظة للموارد
الموقع الإلكتروني: بوابة منظمة الأغذية والزراعة الخاصة بالتربة (باللغة الإنكليزية)
الموقع الإلكتروني: المكتب الإقليمي الفرعي للمنظمة في أفريقيا الجنوبية (باللغة الإنكليزية)